القائمة الرئيسية

الصفحات

الجاهلية في مرآة الزمن: أوجه التشابه بين الماضي والحاضر

 يُطلق مصطلح "الجاهلية" عادةً على الفترة التي سبقت بزوغ نور الإسلام. لكن الجاهلية، في جوهرها، ليست مجرد حقبة تاريخية، بل هي حالة من الجهل بالهدي الإلهي، والانغماس في الأهواء والشهوات، والتصرف بعيداً عن قيم العدل والرحمة. وفي مقارنة بين جاهلية ما قبل الإسلام وواقعنا في عام 2025، نجد أن التشابه في المظاهر السلوكية والاجتماعية والفكرية صادم ومثير للتأمل.


💡 أولاً: الجهل العقدي وغياب البوصلة

إن أهم مظهر للجاهلية هو الضلال العقدي الذي يمثل نقطة البدء في الانحراف.

  • جاهلية الماضي: كانت تتمثل في عبادة الأصنام والأوثان، واعتقاد خرافات لا أساس لها من العقل أو النقل الصحيح.

  • جاهلية الحاضر: لا تزال حاضرة وإن تغيرت الأصنام. أصبح "صنم العلمانية المتطرفة"، و"صنم المادية الاستهلاكية"، و"صنم الأنا المتضخمة" هي الآلهة الحديثة التي يُعبد أصحابها الهوى والمال والشهرة بدلاً من الخالق، مما يؤدي إلى فراغ روحي وفكري كبير.


📢 ثانياً: العصبية القبلية الحديثة (التعصب)

كانت العصبية القبلية هي المحرك للنزاعات والحروب في الجاهلية القديمة، حيث يُنصر المرء أخاه ظالماً أو مظلوماً.

  • جاهلية الماضي: تمثلت في الولاء المطلق للقبيلة والعشيرة، والقتال لأتفه الأسباب تحت شعار "انصر أخاك" بغض النظر عن الحق.

  • جاهلية الحاضر: تجلت في صور عصرية مثل:

    • التعصب الوطني/العرقي: الذي يجعل الولاء للجنس أو القومية فوق قيم العدل والحق الإنساني.

    • التعصب الأيديولوجي: التحزب المطلق للأفكار السياسية أو الطائفية أو الرياضية، حيث يصبح الانتماء للحزب أو الجماعة هو المعيار، ويُرفض المخالف وإن كان على صواب.


💵 ثالثاً: الظلم المالي والاجتماعي

يبقى استغلال الضعفاء مادياً واجتماعياً صفة ملازمة لكل مجتمع جاهلي.

  • جاهلية الماضي:

    • الوأد الاقتصادي: كان يتمثل في انتشار الربا الفاحش الذي يفتك بفقراء المجتمع.

    • ظلم المرأة: كان يتمثل في وأد البنات وحرمان المرأة من أبسط حقوقها الإنسانية والمالية.

  • جاهلية الحاضر:

    • الوأد الاقتصادي: لا يزال الربا هو المحرك لكثير من النظم المالية العالمية، مما يزيد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، تحت غطاء مؤسساتي مُنظّم.

    • ظلم المرأة: تحول الظلم القديم إلى نوع جديد، حيث تُستغل المرأة كسلعة للإعلان والاستهلاك، وتُجرّد من دورها الإنساني والأسري لصالح مفاهيم مشوّهة للحرية.


🚫 رابعاً: الفحش في القول والسلوك

إن غياب الوازع الأخلاقي والديني يؤدي حتماً إلى الانحدار في السلوك واللغة.

  • جاهلية الماضي: كان انتشار الخمر والميسر والزنا ظاهرة اجتماعية، وكان الفخر بالرذيلة موجوداً في الشعر.

  • جاهلية الحاضر: تضخمت هذه المظاهر وتطورت:

    • الإباحية الرقمية: حيث أصبح الفحش متاحاً وسهلاً بضغطة زر، وتفشت الفاحشة تحت مسميات "الحرية الشخصية".

    • الفحش اللغوي والإعلامي: شيوع لغة التجريح والسخرية والفحش في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، واعتبار ذلك نوعاً من الشجاعة أو "كسر التابوهات".


🌟 الخاتمة: الجاهلية ليست زمناً، بل قرار!

إن الجاهلية في أي زمان هي نتيجة قرار فكري يتخذه الإنسان أو المجتمع: قرار بالتغاضي عن الهدي الإلهي، والارتكاس إلى العصبية والشهوة. وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء ليُخرج الناس من ظلمات الجاهلية الأولى إلى نور الإيمان، فإن التحدي في عام 2025 يبقى هو ذاته: إعادة إحياء القيم الإيمانية والأخلاقية والعدل الاجتماعي لمواجهة الجاهلية الحديثة التي تتخفى خلف قناع المدنية والتقدم.



تعليقات

التنقل السريع