تُمثّل القصة التي جمعت الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعمدة نيويورك المنتخب زهران ممداني، بعد أشهر من "التراشق" اللفظي العدائي، نموذجاً مثالياً لـ"دراما" الأخبار السياسية في القرن الحادي والعشرين. فبمجرد جلوس الرجلين وجهاً لوجه في المكتب البيضاوي، تحوّل الخصام العلني إلى إشادة متبادلة بالرغبة المشتركة في "خدمة المدينة".
إن هذا التحوّل السريع من النقد اللاذع (كالذي وصف فيه ترامب العمدة بـ "الشيوعي المجنون") إلى الثناء والتركيز على "الأهداف المشتركة"، يكشف عن الفارق الجوهري بين عصرنا و"القرن القديم" (القرن العشرين) في صناعة الخبر السياسي وتلقيه.
سرعة الخبر وشخصنة الصراع
في القرن الماضي، كان المشهد السياسي يتميز بالبروتوكولية والبطء. كانت الصراعات تدور في الغالب حول الاختلافات الأيديولوجية والبرامج المؤسسية، ويتم تداول أخبارها عبر الصحف العريضة ونشرات الأخبار الإذاعية والتلفزيونية الرسمية. كان الانتقال من العداء إلى التوافق يستغرق وقتاً طويلاً من المفاوضات الخلفية، ويُعلن عنه ببيانات رسمية رصينة.
أما اليوم، فالأخبار السياسية أصبحت أشبه بمسرحية تُعرض على مدار الساعة، مدفوعة بـ الشخصنة القصوى ووسائل التواصل الاجتماعي. يتم تبادل الاتهامات بشكل مباشر وغير رسمي عبر تغريدة أو تصريح ناري، مما يخلق ضجة إعلامية سريعة. والأهم، أن التحالفات والتحولات يمكن أن تحدث بسرعة هائلة، فبمجرد اجتماع الخصمين، يتحوّل الصراع الشخصي إلى اتفاق برغماتي فوري، دون الالتزام بصرامة المبادئ الأيديولوجية المعلنة سابقاً.
خلاصة القول، إذا كان "القرن القديم" يركز على صراع المبادئ والمؤسسات، فإن عصرنا الحالي يركز على صراع الشخصيات والاستعراض، حيث يمكن أن يذوب الخلاف المرير في اجتماع مدته ساعة، ليصبح في اليوم التالي خبراً عن "علاقة عمل مثمرة". هذا التحول يعكس سيادة الإيقاع السريع والتفاعل الشخصي على حساب الخطاب السياسي التقليدي الثقيل.

تعليقات
إرسال تعليق
رأيكم هو روح الحقيقة