القائمة الرئيسية

الصفحات

اقتصاد سوريا: ورقة الشتات الرابحة في مواجهة التحديات

 تستمر الليرة السورية في رقصة تراجع مؤلمة أمام الدولار في تعاملات بداية الأسبوع، مؤكدة أن الاقتصاد السوري يمر بمنعطف حرج يفرض البحث عن حلول جذرية وعملية. وفي هذا السياق، تبرز قوة غير مستغلة بالكامل، بل وأساسية، تتمثل في السوريين المغتربين – كفاءات بشرية ورؤوس أموال منتشرة حول العالم، يمثلون شريان حياة محتملاً يمكنه إعادة نبض القوة للاقتصاد، أو على الأقل، حمايته من المزيد من الوهن.

إن مستقبل الاقتصاد السوري يتوقف بشكل كبير على كيفية الاستفادة من هذه الطاقة الهائلة، سواء بعودتهم أو بدعمهم من الخارج.

السيناريو الأول: عودة الكفاءات ورؤوس الأموال.. الاقتصاد ينتفض!

تخيل لو أن جزءاً معتبراً من ملايين السوريين المغتربين، الذين أثبتوا جدارتهم ونجاحهم في أقوى اقتصادات العالم، عادوا إلى وطنهم. إن هذه العودة ليست مجرد عودة أفراد، بل هي:

  1. تدفق رؤوس أموال ضخمة: الأموال التي جمعها المغتربون عبر سنوات من العمل الشاق يمكن أن تُضخ في مشاريع استثمارية متنوعة، من الصناعة والزراعة إلى الخدمات والبنية التحتية، مما يوفر سيولة نقدية ضرورية للبلاد ويقلل الاعتماد على العملة الأجنبية.

  2. نقل خبرات ومهارات عالية: المغتربون يحملون معهم أحدث الخبرات الإدارية، التقنية، الفنية، والمهنية التي اكتسبوها في بيئات عمل متطورة. عودتهم تعني تحديث القطاعات، رفع مستوى الإنتاجية، وتدريب الأجيال الجديدة.

  3. إنعاش سوق العمل: الاستثمارات الجديدة وتأسيس الأعمال سيخلق آلاف فرص العمل للشباب السوري، مما يقلل البطالة ويزيد الدخل الفردي، وبالتالي يُنشط الدورة الاقتصادية.

إن عودة السوريين ستكون بمثابة إعادة تشغيل شاملة للمحرك الاقتصادي، وتحويل التحديات إلى فرص، ووضع البلاد على مسار الانتعاش المستدام.

السيناريو الثاني: دعم الوطن من الخارج.. حصن منيع ضد الاحتلال الاقتصادي

في حال لم تكن العودة ممكنة لجميع المغتربين في المدى المنظور بسبب الظروف المختلفة، فإن دورهم يصبح أكثر أهمية في بناء حصن اقتصادي منيع يحمي البلاد من أي محاولات "احتلال" أو استغلال اقتصادي وسياسي. يمكن للمغتربين، حتى من مواقعهم الحالية، أن يكونوا داعمين أقوياء لوطنهم عبر توصيات وإجراءات عملية:

  1. تحويلات مالية منظمة وفعالة: تشجيع التحويلات المالية عبر القنوات الرسمية أو الموثوقة التي تضمن وصول الدولار بسعر عادل للبلاد، بعيداً عن سوق الصرف غير الرسمي. يمكن ابتكار برامج تحفيزية لهذه التحويلات.

  2. استثمارات نوعية من الخارج: إنشاء صناديق استثمارية يديرها مغتربون تستهدف قطاعات محددة داخل سوريا (كالزراعة، الصناعات الصغيرة، الطاقة المتجددة) لتوفير فرص عمل وتكنولوجيا، مع حماية هذه الاستثمارات عبر شراكات محلية موثوقة.

  3. بناء شبكات تجارية دولية: استغلال وجود المغتربين في مختلف دول العالم لفتح أسواق جديدة للمنتجات السورية، وتسهيل استيراد المواد الخام والتكنولوجيا اللازمة للإنتاج بأسعار تنافسية، لكسر احتكار بعض المستوردين.

  4. الدعم المعرفي والتقني عن بُعد: المساهمة في برامج تدريب وتأهيل للشباب السوري عن طريق المنصات الإلكترونية، وتقديم الاستشارات في مجالات التنمية المستدامة والإدارة الحديثة.

  5. المناصرة السياسية والاقتصادية: استخدام نفوذ المغتربين في دول إقامتهم للضغط من أجل رفع العقوبات الظالمة التي تضر بالشعب، وتوضيح الصورة الحقيقية للوضع الاقتصادي والإنساني في سوريا أمام الرأي العام العالمي والمؤسسات الدولية.

الخلاصة: قوة سوريا في أبنائها

إن سعر الليرة المتراجع هو جرس إنذار يدعو الجميع، من داخل الوطن وخارجه، إلى العمل المشترك. سواء بعودة كريمة تُعيد بناء الأرض والإنسان، أو بدعم قوي وذكي يُحوّل الشتات إلى سند، فإن السوريين هم الأمل الحقيقي لبلادهم. هم القوة التي لا يمكن لأي محتل اقتصادي أن يكسرها، وهم العقل المدبر الذي يمكنه تحويل التحديات إلى فرص، وحماية سوريا من أن تصبح مجرد رقعة شطرنج في أيدي الآخرين.



تعليقات

التنقل السريع