لطالما نظر الكثيرون في منطقة الشرق الأوسط بإعجاب إلى النهضة التنموية المذهلة التي حققتها دول مثل ماليزيا. رأينا فيها نموذجاً فريداً يجمع بين الأصالة الإسلامية والتقدم الاقتصادي والعلمي. تمنينا لو أننا نُحاكيها، نسير على دربها، ونُعيد أمجاد حضارتنا. ولكن، يبدو أننا في أحيان كثيرة، نُركز على القشور ونغفل عن الجوهر، لاسيما في مواسم العبادة العظيمة كرمضان.
🕌 جوهر الإسلام: فكر وعلم وبناء
عندما ننظر إلى النهضة الماليزية، أو أي نهضة حقيقية عبر التاريخ الإسلامي، نجد أنها قامت على أسس راسخة من العلم، الابتكار، العمل الجاد، والتخطيط الاستراتيجي. الإسلام في جوهره دين يدعو إلى التفكر والتدبر، إلى السعي في الأرض لبنائها، إلى الإحسان والتطوير. لقد كانت الحضارة الإسلامية في أوجها منارة للعلم والمعرفة، لم تكن مجرد تجمعات للاستهلاك.
لكن، ما نراه أحياناً في مجتمعاتنا بالشرق الأوسط، هو انفصال عن هذا الجوهر. نتحدث عن التقدم، لكننا نتباطأ في الاستثمار الحقيقي بالعقول. نتطلع إلى بناء مدن عصرية، لكننا نُهمل بناء الإنسان الذي سيُديرها ويُطوّرها. في الوقت الذي تضج فيه مدن كوالالمبور بالعلماء والمهندسين والمبتكرين الذين يعملون على تطوير المستقبل، قد نجد تركيزنا منصبّاً على مظاهر أخرى.
🍽️ موائد رمضان: من الكرم إلى الإسراف
لا يوجد أجمل من كرم الضيافة في رمضان، ولا أسمى من إطعام الطعام وتفقّد الفقراء والمساكين. هذه قيم إسلامية عظيمة لا يُمكن إنكارها. ولكن، هل تحوّلت هذه القيمة النبيلة في كثير من دول الشرق الأوسط إلى ما يشبه التنافس على موائد الإفطار الضخمة التي تفيض بأصناف الأطعمة وتتحول إلى إهدار مؤسف للطعام في نهاية المطاف؟
تُصرف الملايين على هذه الموائد العامرة، والتي غالباً ما تتجاوز حد الكفاية وتصل إلى حد البذخ، في الوقت الذي لا يزال فيه الملايين من إخوتنا المسلمين يعانون الجوع والفقر. إن هذا التناقض الصارخ يُبعدنا عن روح رمضان الحقيقية، وهي روح الزهد، العطاء الخالص، والشعور بالفقير. وفي حين تُركز الدول الرائدة على الاستثمار في البنى التحتية الفكرية، قد نرى في منطقتنا استثماراً أكبر في البنى التحتية الاستهلاكية خلال هذا الشهر الكريم.
💔 بين تطلعاتنا وواقعنا في الشرق الأوسط
نحلم في الشرق الأوسط بأن نكون "ماليزيا أخرى" أو "أندونيسيا جديدة" في التنمية والازدهار. نرغب في ناطحات السحاب والتكنولوجيا المتقدمة. ولكن، هل نسأل أنفسنا: ما هو الثمن الحقيقي لهذه النهضة؟ هل نحن مستعدون لدفع هذا الثمن من الجهد الفكري، والعمل المخلص، والتخطيط بعيد المدى، وتوجيه الموارد بذكاء؟
إن ماليزيا لم تبنِ نهضتها على حجم موائد إفطارها، بل على الاستثمار في عقول أبنائها، في تعليمهم، في البحث العلمي، في دعم الابتكار، وفي بناء اقتصاد متنوع ومستدام. لقد فهمت أن الإسلام الحقيقي يُنمّي الأفراد والمجتمعات، وليس مجرد طقوس استهلاكية.
💡 رمضان: فرصة لإعادة التفكير
ليكن رمضان هذا العام، ليس مجرد موسم للموائد الكبرى والولائم العامرة فحسب، بل فرصة لإعادة توجيه بوصلتنا في الشرق الأوسط. لنتفكر في:
كيف يمكننا الاستفادة من مواردنا لدعم التعليم والابتكار؟
كيف نُعلّم أبناءنا قيمة العلم والعمل المنتج بدلاً من الاستهلاك؟
كيف نُعيد توجيه الكرم الرمضاني ليصبح أكثر استدامة وأثراً في حياة المحتاجين؟
كيف نُحيي روح الزهد والتواضع التي يدعو إليها الشهر الفضيل؟
الإسلام يحتاج عقولاً تفكر، تبدع، وتعمل بجد لبناء حضارة قوية ومستدامة. هذا هو الإرث الحقيقي الذي يجب أن نورثه لأجيالنا القادمة، لا أكوام الطعام المهدور.

تعليقات
إرسال تعليق
رأيكم هو روح الحقيقة