في خضم هذا العالم الصاخب، حيث تتسارع الأحداث وتتلاطم أمواج التغيير، وحيث يغرق الكثيرون في لهيب المادة وتضطرب بوصلة المبادئ، تأتي كلمة "لا حول ولا قوة إلا بالله" لتكون كالنسمة الباردة على قلبٍ أنهكته المظاهر، وكالمرساة التي تثبّت سفينة الروح وسط عواصف اليأس. إنها ليست مجرد دعاء، بل هي فلسفة حياة، واعتراف عميق بالحقيقة الكونية.
🌪️ عالم يلهث خلف السراب
انظر حولك اليوم. ترى أموالاً تتكدس في جيوب القلة، بينما تصرخ أفواه الأطفال الجياع من حولهم. ترى سباقاً جنونياً نحو الوجاهة والمادة، وغفلة مُطبقة عن جوهر الوجود. الناس يركضون، يتسابقون، يتنافسون على فُتات زائل، وكأنهم في ماراثون لا نهاية له، قد نسوا فيه وجهتهم الحقيقية.
هذا الركض المحموم، وهذه "السرعة الغاشمة" التي لا تبالي بالمبادئ، هي التي خلقت فجوة هائلة بين ما يجب أن يكون وما هو كائن. لقد طغت السرعة على الروية، والكم على الكيف، والمظهر على الجوهر.
💔 أطفال يصرخون، ومبادئ تتلاشى
المشهد الأكثر ألماً في هذا "الجنون" البشري هو رؤية الأطفال يصرخون غضباً وجوعاً وظلماً. إنهم ضحايا جهلنا الجماعي، وإهمالنا لأبسط حقوق الإنسان، وتغاضينا عن مبادئ العدل والرحمة التي هي أساس أي حضارة إنسانية حقيقية. صرخاتهم تلك ليست مجرد أصوات، بل هي إدانة صامتة للعالم الذي بنيناه.
لقد تلاشت المبادئ شيئاً فشيئاً. أصبحت قيم الصدق، الأمانة، الإيثار، والتراحم مجرد شعارات تُردد في المنابر، بينما تُداس بالأقدام في دهاليز الواقع. أصبح الاهتمام بالذروة المادية أهم من الاهتمام بالذروة الروحية والأخلاقية.
🌍 الحاجة إلى العودة للبوصلة
في خضم هذا الضياع، تأتي "لا حول ولا قوة إلا بالله" لتذكّرنا بحقيقة أساسية: أن قوتنا محدودة، وأن حولنا لا شيء أمام قوة الخالق العظيم. إنها ليست دعوة للاستسلام واليأس، بل هي دعوة إلى:
التواضع: إدراك أننا لسنا محور الكون، وأن هناك قوة أكبر تدبر الأمور.
التغيير الإيجابي: عندما ندرك أن القوة الحقيقية بيد الله، فإننا نتوجه إليه بالدعاء والعمل الصالح، ونستمد منه العون لتغيير واقعنا.
التركيز على الجوهر: التوقف عن الركض وراء السراب، والعودة إلى المبادئ والقيم التي تمنح الحياة معنى حقيقياً.
🕊️ طريق النجاة: بالإيمان والعمل
لن تتوقف عجلات العالم عن الدوران بسرعة، ولن تتلاشى التحديات بلمسة زر. لكن "لا حول ولا قوة إلا بالله" تمنحنا الطمأنينة والثبات في مواجهة هذه التحديات. إنها تعلمنا أن نضع ثقتنا في الله، وأن نعمل بكل ما أوتينا من قوة لتغيير ما يمكن تغييره، وأن نُسلّم بما لا يمكن تغييره.
إنها دعوة للوقوف قليلاً، لالتقاط الأنفاس، والتأمل في حقيقة وجودنا وهدفنا. هي تذكير بأن الخلاص الحقيقي ليس في تكديس الأموال أو السرعة المفرطة، بل في التشبث بحبل الله المتين، والعمل بما يرضيه، والعودة إلى فطرتنا السليمة ومبادئنا الإنسانية الأصيلة.

تعليقات
إرسال تعليق
رأيكم هو روح الحقيقة