يرى كليم ديلانج، مؤسس منصة "هاغينغ فيس"، أن العالم يعيش في "فقاعة النماذج" (The Model Bubble). ولا يقصد بذلك فقاعة في تقنية الذكاء الاصطناعي بحد ذاتها، بل فقاعة في هوس الإنفاق على النماذج اللغوية العملاقة (LLMs) التي تحاول أن تكون حلاً شاملاً لكل شيء.
جوهر حجة ديلانج هو أن الشركات تبالغ في دفع مليارات الدولارات لتدريب وتشغيل نماذج عملاقة (مثل GPT-4 أو غيرها) تتطلب قوة حوسبة هائلة، في حين أن معظم التطبيقات التجارية يمكن إنجازها بفعالية وكفاءة أكبر بكثير باستخدام نماذج أصغر وأكثر تخصصاً.
التوضيح العملي: روبوت خدمة العملاء في البنك
لتوضيح هذا المفهوم عملياً، لنأخذ مثالاً من مجال الأعمال: روبوت خدمة العملاء المصرفية.
المشكلة الحالية (داخل الفقاعة):
عندما يقرر بنك ما إطلاق روبوت دردشة لخدمة عملائه، فإنه غالباً ما يلجأ إلى استخدام نموذج لغوي عملاق وعام. هذا النموذج تم تدريبه على كم هائل من البيانات من الإنترنت بالكامل. وبالتالي، هو نموذج "عبقري" يستطيع الإجابة عن أسئلة تتعلق بتاريخ الفلسفة، أو الكيمياء، أو حتى قواعد اللغة اليابانية.
هذا "العبقري المفرط" يمثل مشكلة في الكفاءة والتكلفة:
إسراف في الموارد: البنك يدفع تكلفة باهظة لتشغيل وصيانة نموذج لديه معرفة عالمية واسعة، في حين أن 99% من هذه المعرفة (مثل تاريخ روما القديمة) لا علاقة لها بـعملائه.
خطر الأداء: قد يرتكب النموذج العملاق "هلوسات" (Hallucinations) أو يقدم إجابات غير دقيقة عن سياسات البنك، لأنه يحاول تطبيق معرفته الواسعة على سياق ضيق ومُقيّد (وهو لوائح البنك الداخلية).
الحل المستقبلي (خارج الفقاعة):
يدعو ديلانج إلى استخدام النماذج المتخصصة المُعدَّلة بدقة (Fine-Tuned). هذه النماذج أصغر بكثير، لكنها تم تدريبها بشكل مكثف على مجموعة بيانات البنك الداخلية فقط (مثل وثائق القروض، أسئلة الحسابات الجارية، وإجراءات التحويل).
الميزة العملية هي الكفاءة:
دقة التخصص: هذا الروبوت الأصغر والأكثر تخصصاً سيعرف كل شيء عن البنك، ولن يشتت انتباهه بمعلومات خارجية. فهو يوفر إجابات فورية ودقيقة وموثوقة عن أسئلة العملاء المصرفية، وهذا هو المطلوب فعلياً.
توفير هائل: يمكن تشغيل هذا النموذج الصغير بتكلفة زهيدة مقارنة بالنماذج العملاقة، مما يعني أن البنك يحقق نفس الجودة المطلوبة في خدمة العملاء بكسر بسيط من التكلفة الرأسمالية.
في النهاية، يرى مؤسس "هاغينغ فيس" أن النماذج اللغوية العملاقة ليست "العصا السحرية" لكل مشكلة. إن الابتعاد عن "فقاعة النماذج" يتطلب تحولاً عملياً نحو بناء أدوات ذكاء اصطناعي صغيرة، مُتخصصة، ورخيصة، تحقق الأهداف التجارية بكفاءة قصوى.

تعليقات
إرسال تعليق
رأيكم هو روح الحقيقة